الإحسان
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الإحسان
مرَّ عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- على غلام يرعى أغنامًا لسيده، فأراد ابن عمر أن يختبر الغلام، فقال له: بع لي شاة. فقال الصبي: إنها ليست لي، ولكنها ملك لسيدي، وأنا عبد مملوك له. فقال ابن عمر: إننا بموضع لا يرانا فيه سيدك، فبعني واحدة منها، وقل لسيدك: أكلها الذئب. فاستشعر الصبي مراقبة الله، وصاح: إذا كان سيدي لا يرانا، فأين الله؟! فسُرَّ منه عبد الله بن عمر ، ثم ذهب إلى سيده، فاشتراه منه وأعتقه
الإحسان هو مراقبة الله في السر والعلن، وفي القول والعمل، وهو فعل الخيرات على أكمل وجه، وابتغاء مرضات الله.
أنواع الإحسان:
الإحسان مطلوب من المسلم في كل عمل يقوم به ويؤديه. وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، ولْيحد أحدكم شَفْرته، فلْيُرِح ذبيحته) [مسلم].
وهو أن يستشعر الإنسان وجود الله معه في كل لحظة، وفي كل حال، خاصة عند عبادته لله -عز وجل-، فيستحضره كأنه يراه وينظر إليه.
قال صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) [متفق عليه].
الإحسان إلى الوالدين
المسلم دائم الإحسان والبر لوالديه، يطيعهما، ويقوم بحقهما، ويبتعد عن الإساءة إليهما، قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا} [الإسراء: 23].
الإحسان إلى الأقارب:
المسلم رحيم في معاملته لأقاربه، وبخاصة إخوانه وأهل بيته وأقارب والديه، يزورهم ويصلهم، ويحسن إليهم. قال الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} [النساء: 1].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه أن يُبْسَطَ له في رزقه ، وأن يُنْسأ له أثره ، فليصل رحمه) [متفق عليه]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فَلْيَصِل رحمه) [البخاري].
كما أن المسلم يتصدق على ذوي رحمه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة، وصلة)
[الترمذي].
الإحسان إلى الجار: المسلم يحسن إلى جيرانه، ويكرمهم امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيورِّثه).
[متفق عليه].
ومن كمال الإيمان عدم إيذاء الجار، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُؤْذِ جاره) [متفق عليه]. والمسلم يقابل إساءة جاره بالإحسان، فقد جاء رجل إلى ابن مسعود -رضي الله عنه- فقال له: إن لي جارًا يؤذيني، ويشتمني، ويُضَيِّقُ علي. فقال له ابن مسعود: اذهب فإن هو عصى الله فيك، فأطع الله فيه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن حق الجار: (إذا استعان بك أعنتَه، وإذا استقرضك أقرضتَه، وإذا افتقر عُدْتَ عليه (ساعدته)، وإذا مرض عُدْتَه (زُرْتَه)، وإذا أصابه خير هنأتَه، وإذا أصابته مصيبة عزَّيته، وإذا مات اتبعتَ جنازته، ولا تستطلْ عليه بالبناء، فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذِه بقتار قِدْرِك (رائحة الطعام) إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فأهدِ له منها، فإن لم تفعل، فأدخلها سرًّا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده) [الطبراني].
الإحسان إلى الفقراء: المسلم يحسن إلى الفقراء، ويتصدق عليهم، ولا يبخل بماله عليهم، وعلى الغني الذي يبخل بماله على الفقراء ألا ينسى أن الفقير سوف يتعلق برقبته يوم القيامة وهو يقول: رب، سل هذا -مشيرًا للغني- لِمَ منعني معروفه، وسدَّ بابه دوني؟
ولابد للمؤمن أن يُنَزِّه إحسانه عن النفاق والمراءاة، كما يجب عليه ألا يمن بإحسانه على أصحاب الحاجة من الضعفاء والفقراء؛ ليكون عمله خالصًا لوجه الله. قال تعالى: {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم} [البقرة: 263].
الإحسان إلى اليتامى والمساكين: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الأيتام، وبشَّر من يكرم اليتيم، ويحسن إليه بالجنة، فقال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وأشار بأصبعيه: السبابة، والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا.
[متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) [متفق عليه].
الإحسان إلى النفس: المسلم يحسن إلى نفسه؛ فيبعدها عن الحرام، ولا يفعل إلا ما يرضي الله، وهو بذلك يطهِّر نفسه ويزكيها، ويريحها من الضلال والحيرة في الدنيا، ومن الشقاء والعذاب في الآخرة، قال تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء: 7].
الإحسان في القول: الإحسان مطلوب من المسلم في القول، فلا يخرج منه إلا الكلام الطيب الحسن، يقول تعالى: {وهدوا إلى الطيب من القول}
[الحج: 24]، وقال تعالى: {وقولوا للناس حسنًا} [البقرة: 83].
الإحسان في التحية: والإحسان مطلوب من المسلم في التحية، فعلى المسلم أن يلتزم بتحية الإسلام، ويرد على إخوانه تحيتهم. قال الله -تعالى-: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86].
الإحسان في العمل: والمسلم يحسن في أداء عمله حتى يتقبله الله منه، ويجزيه عليه، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) [البيهقي].
الإحسان في الزينة والملبس: قال تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31].
جزاء الإحسان:
المحسنون لهم أجر عظيم عند الله، قال تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: 60]. وقال: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} [الكهف: 30]. وقال: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} [البقرة: 195].
.
الإحسان هو مراقبة الله في السر والعلن، وفي القول والعمل، وهو فعل الخيرات على أكمل وجه، وابتغاء مرضات الله.
أنواع الإحسان:
الإحسان مطلوب من المسلم في كل عمل يقوم به ويؤديه. وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، ولْيحد أحدكم شَفْرته، فلْيُرِح ذبيحته) [مسلم].
ومن أنواع الإحسان
الإحسان مع اللهوهو أن يستشعر الإنسان وجود الله معه في كل لحظة، وفي كل حال، خاصة عند عبادته لله -عز وجل-، فيستحضره كأنه يراه وينظر إليه.
قال صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) [متفق عليه].
الإحسان إلى الوالدين
المسلم دائم الإحسان والبر لوالديه، يطيعهما، ويقوم بحقهما، ويبتعد عن الإساءة إليهما، قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا} [الإسراء: 23].
الإحسان إلى الأقارب:
المسلم رحيم في معاملته لأقاربه، وبخاصة إخوانه وأهل بيته وأقارب والديه، يزورهم ويصلهم، ويحسن إليهم. قال الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} [النساء: 1].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه أن يُبْسَطَ له في رزقه ، وأن يُنْسأ له أثره ، فليصل رحمه) [متفق عليه]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فَلْيَصِل رحمه) [البخاري].
كما أن المسلم يتصدق على ذوي رحمه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة، وصلة)
[الترمذي].
الإحسان إلى الجار: المسلم يحسن إلى جيرانه، ويكرمهم امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيورِّثه).
[متفق عليه].
ومن كمال الإيمان عدم إيذاء الجار، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُؤْذِ جاره) [متفق عليه]. والمسلم يقابل إساءة جاره بالإحسان، فقد جاء رجل إلى ابن مسعود -رضي الله عنه- فقال له: إن لي جارًا يؤذيني، ويشتمني، ويُضَيِّقُ علي. فقال له ابن مسعود: اذهب فإن هو عصى الله فيك، فأطع الله فيه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن حق الجار: (إذا استعان بك أعنتَه، وإذا استقرضك أقرضتَه، وإذا افتقر عُدْتَ عليه (ساعدته)، وإذا مرض عُدْتَه (زُرْتَه)، وإذا أصابه خير هنأتَه، وإذا أصابته مصيبة عزَّيته، وإذا مات اتبعتَ جنازته، ولا تستطلْ عليه بالبناء، فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذِه بقتار قِدْرِك (رائحة الطعام) إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فأهدِ له منها، فإن لم تفعل، فأدخلها سرًّا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده) [الطبراني].
الإحسان إلى الفقراء: المسلم يحسن إلى الفقراء، ويتصدق عليهم، ولا يبخل بماله عليهم، وعلى الغني الذي يبخل بماله على الفقراء ألا ينسى أن الفقير سوف يتعلق برقبته يوم القيامة وهو يقول: رب، سل هذا -مشيرًا للغني- لِمَ منعني معروفه، وسدَّ بابه دوني؟
ولابد للمؤمن أن يُنَزِّه إحسانه عن النفاق والمراءاة، كما يجب عليه ألا يمن بإحسانه على أصحاب الحاجة من الضعفاء والفقراء؛ ليكون عمله خالصًا لوجه الله. قال تعالى: {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم} [البقرة: 263].
الإحسان إلى اليتامى والمساكين: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الأيتام، وبشَّر من يكرم اليتيم، ويحسن إليه بالجنة، فقال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وأشار بأصبعيه: السبابة، والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا.
[متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) [متفق عليه].
الإحسان إلى النفس: المسلم يحسن إلى نفسه؛ فيبعدها عن الحرام، ولا يفعل إلا ما يرضي الله، وهو بذلك يطهِّر نفسه ويزكيها، ويريحها من الضلال والحيرة في الدنيا، ومن الشقاء والعذاب في الآخرة، قال تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء: 7].
الإحسان في القول: الإحسان مطلوب من المسلم في القول، فلا يخرج منه إلا الكلام الطيب الحسن، يقول تعالى: {وهدوا إلى الطيب من القول}
[الحج: 24]، وقال تعالى: {وقولوا للناس حسنًا} [البقرة: 83].
الإحسان في التحية: والإحسان مطلوب من المسلم في التحية، فعلى المسلم أن يلتزم بتحية الإسلام، ويرد على إخوانه تحيتهم. قال الله -تعالى-: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86].
الإحسان في العمل: والمسلم يحسن في أداء عمله حتى يتقبله الله منه، ويجزيه عليه، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) [البيهقي].
الإحسان في الزينة والملبس: قال تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31].
جزاء الإحسان:
المحسنون لهم أجر عظيم عند الله، قال تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: 60]. وقال: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} [الكهف: 30]. وقال: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} [البقرة: 195].
.
ياسر- الجنس : عدد الرسائل : 53
رقم العضوية : 11
نقاط : 11
الصدقة وأثرها
عن عائشة - رضي الله عنها -: "أن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قلن للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّنا أسرع بك لحوقًا؟"، قال: ((أطولُكن يدًا))، فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة أطولَهن يدًا، فعلمنا بعدُ أنما كانت يدها الصدقة، وكانت أسرعَنا لحوقًا به، وكانت تحب الصدقة".
كثُرت أحاديث الشريعة الحاثة على الصدقة، كما ورد الحض عليها في القرآن الكريم، والصدقة تطلق شرعًا على الزكاة المفروضة، التي هي ركن من أركان الإسلام، ومنكِرُ وجوبِها كافر؛ لأنها ثابتة قطعًا بالكتاب والسنة والإجماع، وهي ماضية إلى يوم يرث الله الأرض ومن عليها، تصرف في وجوهها المقررة شرعًا، ولا يقصر في أدائها إلا عاصٍ لله ولرسوله، وسيكون له الجزاء الذي لا مناص له عنه، والذي وردت الإشارة إليه في القرآن الكريم؛ قال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34- 35]، وروي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: "ما أديتَ زكاتَه فليس بكنز، وإن كان تحت سبع أرضين، وكل ما لم تؤدِّ زكاته فهو كنز وإن كان فوق الأرض"، وروى البخاري عن خالد بن أسلم قال: خرجنا مع عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - فقال أعرابي: أخبرني عن قول الله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾، قال ابن عمر: مَن كنزها فلم يؤدِّ زكاتها، فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أُنزلتْ جعلها الله طهرًا للأموال، وهذا مشعر - كما يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني - بأن الوعيد على الاكتناز - وهو حبس ما فضل عن الحاجة عن المواساة به - كان في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة.
وروى البخاري أيضًا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من آتاه الله مالاً، فلم يؤدِّ زكاته، مُثِّل له يوم القيامة شجاعًا أقرعَ، له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني: شدقيه - ثم يقول: أنا مالُك، أنا كنزك))، ثم تلا ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ﴾الآية [آل عمران: 180].
والحديث الشريف موضوع البحث، يومئ إلى صدقة التطوع، وهي التي أشارت إليها الآية الكريمة: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271]، فقد ذهب الجمهور من المفسرين إلى أنها في صدقة التطوع؛ لأن الإخفاء فيها أفضل من الإظهار، فذلك أدلُّ على أنه يُراد بها الله - عز وجل - وحده، وإن كان هذا لا يمنع من إظهارها؛ لحمل الغير على الاقتداء بالباذلين المعروف والساعين في الخير، فينتهج نهجهم، وينسج على منوالهم؛ ليعمَّ الخير والتراحم، ويزاد التواد والتعاطف، وتختفي الحاجة والمسألة، وتأتلف القلوب، ويتعاون الناس على البر والتقوى؛ فالإحسان له أثره الفعال في التجاذب والتقارب، واجتثاث السخائم وقتل العداوات، وبثِّ روح الطمأنينة، وتوطيد أواصر المحبة بين أفراد المجتمع.
وقد أدرك صحابةُ سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه المعانيَ؛ من كثرة حثِّه - عليه أفضل وأزكى السلام - على الصدقات، فكان بعضهم يعمل حمالاً في السوق؛ ليحصل على القليل ويتصدق به؛ رغبة في امتثال الأوامر الشريفة.
روى البخاري عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - أنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَرَنا بالصدقة، انطلق أحدُنا إلى السوق، فيحامل فيصيب المد – أي: في مقابل أجرته - فيتصدق به"، وكانوا لا يحقرون الصدقة مهما ضؤلت وقلَّ مقدارها؛ استنادًا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اتَّقوا النار ولو بشق تمرة))؛ رواه البخاري، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "دخلَتِ امرأةٌ ومعها ابنتان لها، تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتُها إياها، فقسمتَها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت..." الحديث.
ومن تعاليم سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبذل الإنسان وهو صحيح معافى، محب للمال، ضنين به، ولا يترك العطاء حتى تهجم عليه منيَّتُه، وتفوته فرصة المبادرة إلى الخير؛ ففي بذل المال مع وجود الشحِّ به برهانٌ على قوة الرغبة في القربات، والمبادرة إلى الامتثال والدخول في الطاعة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجرًا؟"، قال: ((أنْ تَصَدَّقَ وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقرَ وتأمُلُ الغنى، ولا تُمهِلْ، حتى إذا بلغَتِ الحلقومَ، قلتَ: لفلان كذا، ولفلان كذا)).
وغالبًا ما تكون الصدقة من أهل الخير على ذوي الحاجة؛ ولكن المعتمد هو نيَّة المتصدِّق، فلو وقعتْ صدقةٌ في غير موقعها، لاستحقَّ أجرَها مع خلوص نيَّته لله - تعالى - وابتغاء مرضاته، ولربما حصل منها الخير الكثير، والجزاء الوفير، وقد أورد البخاري حديثًا عمَّن أسرَّ صدقة، فوقعتْ في يد مَن ليس لها أهلاً، فأُعلم منامًا بثوابها، وأنها لاقت من الله قبولاً؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال رجل: لأتصدقنَّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق الليلةَ على زانية، فقال: اللهم لك الحمد، على زانية، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تُصدق على غني، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق، وعلى زانية، وعلى غني، فأُتي، فقيل له: أمَّا صدقتُك على سارق، فلعله يستعفُّ عن سرقته، وأما الزانية، فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني، فلعله أن يعتبر، فينفق مما أعطاه الله))، وفى رواية الطبراني: ((فساءه ذلك، فأتي في منامه)).
قال العيني في كتابه "عمدة القارى": "وفيه دليل على أن الله يجزي العبدَ على حسب نيته في الخير؛ لأن هذا المتصدق لما قصد بصدقته وجهَ الله - تعالى - قُبلتْ منه، ولم يضرَّه وضعُها عند من لا يستحقها، وهذا في صدقة التطوع، وأما الزكاة، فلا يجوز دفعها إلى الأغنياء".
ويؤخذ منه أيضًا توقُّع حمل المتصدَّق عليه، على التحوُّل من الحال المذمومة إلى الحال الممدوحة، فيستعف السارق من سرقته، والزانية من زناها، والغني من إمساكه، ويدل على بركة التسليم والرضا، وذم التضجر بالقضاء.
وقد مدح سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقةَ السرِّ، فذَكَر من الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظلَّ إلا ظله، رجلاً تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم يمينُه ما تنفق شمالُه، ففي ذلك خلوص الصدقة لوجه الله - تعالى - وحفظ ماء وجه المتصدق عليه، وستره أمام العامة، وخاصة إذا كان ممن عُرفوا بالصلاح والتقوى، أو من الذين أخفى عليهم الدهر بعد نعمة وثراء، وكثير ما هم، ومن ستر على مسلم في الدنيا، ستره الله في الدنيا والآخرة.
في توجيه هذا السؤال إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أزواجه، دلالة على شدة تعلقهن به، وخوفهن من البُعد عنه؛ ولهذا أحببن الموت - وهو مبغض إلى النفوس - لئلا يلبثن بعده في الدنيا التي لا تحتويه، ولا تسعد بوجوده فيها، فالحياة بدون سيدهن هباء، والبقاء فيها بعده فناء، ومما يشهد بعظيم حبهن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفقدانهن الصبر على فراقه، حادثةُ التخيير التي وردتْ أخبارُها في سورة الأحزاب، وسجلت قرآنًا يتلى إلى يوم الدين؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28- 29].
قال المفسرون: أمَرَه الله - عز وجل - أن يخيِّر زوجاتِه، فربما كان فيهن من تكره المقام معه على الشدة؛ تنزيهًا له، فقلن: اخترنا الله ورسوله، وروى البخاري ومسلم - واللفظ لمسلم - عن جابر بن عبدالله قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد الناس جلوسًا ببابه، لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر فدخل، ثم جاء عمر فاستأذن، فأذن له، فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسًا حوله نساؤه، واجمًا ساكتًا، قال: فقال: والله، لأقولن شيئًا أضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، لو رأيتَ بنتَ خارجة سألتْني النفقة، فقمتُ إليها فوجأتُ عنقها، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((هن حولي كما ترى يسألنني النفقة))، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليس عنده؟! فقلن: والله لا نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبدًا شيئًا ليس عنده، ثم اعتزلهن شهرًا أو تسعًا وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾، قال: فبدأ بعائشة، فقال: ((يا عائشة، إني أريد أن أعرض عليك أمرًا، أحب ألاَّ تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك))، قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية، قالت: أفيكَ يا رسول الله أستشير أبوي؟! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك ألاَّ تخبر امرأة من نسائك بالذي قلتُ، قال: ((لا تسألني امرأةٌ منهن إلا أخبرتها: إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا؛ ولكن بعثني معلمًا ميسرًا)).
وفعلتْ زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلَ ما فعلتْ عائشةُ، وهكذا لم تطب نفوسُهن - رضوان الله عليهن - أن يفارقنه؛ رغبةً في صحبته التي لا تعادلها الدنيا وما فيها، وأملاً في البقاء معه؛ ليكون لهن الجزاء الأوفى عند رب العالمين - سبحانه - ويفزن بمصاحبة رسول الله في جنات النعيم، ولشدة ركونهن إليه؛ كن يسألنه عن صاحبة الحظ الأوفى، التي ستكون أولهن لحوقًا به بعد موته، وقد فهمن من طول اليد ظاهر القول؛ فأخذن يقسن أيديَهن بالقصبة وغيرها، وفى هذا تقول عائشة: "فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نمد أيديَنا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولَنا، فعرفنا حينذاك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد بطول اليد: الصدقة، وكانت زينب امرأة صناعة اليد، وكانت تدبغ وتخرز، وتتصدق في سبيل الله"؛ قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم.
وكنَّ - رضوان الله عليهن - قد فهمن أن المراد الطول الحقيقي المادي، ويبدو أن سودة بنت زمعة بن قيس بن عبدشمس العامرية - كانت أطولهن يدًا على الحقيقة، وكانت من السابقات في الإسلام، وهي أول من تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد خديجة، وكان قد توفي زوجها السكران بن عمرو العامري بعد عودتها من الحبشة، حيث كانت قد هاجرتْ معه إليها الهجرة الأولى، وقيل: كان قد مات بالحبشة، وقد توفيت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين من الهجرة الكبرى.
وأما زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية، فقد توفيت سنة عشرين من الهجرة، فكانت أول إنسانة لحوقًا به - صلى الله عليه وسلم - فهو من دخول الوهم على الراوي في التسمية؛ كما قال محققو الحديث الشريف - رضوان الله عليهم.
وهذا الحديث عَلَم من أعلام النبوة، وفيه جواز إطلاق الألفاظ المشتركة بين الحقيقة والمجاز بغير قرينة، وهو هنا لفظ: أطولكن يدًا، ولما كان السؤال عن الآجال وعلم نهايتها عند علام الغيوب وحده، ولا يُعلَم ذلك إلا بوحي، أجابهن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلفظ غير صريح، لا يتبين إلا في آخر الوقت عند حدوثه فعلاً؛ ولهذا لم يفهمن أن المراد بطول اليد الصدقة؛ إلا عند موت أم المؤمنين زينب بت جحش، أولهن بعد رسول الله، وكانت - رضوان الله عليها - أكثرهن تصدقًا؛ إذ كانت - كما مر - صناع اليد، تعمل بيدها وتتصدق.
وفضل الصدقة - صدقة التطوع - وآثارها الحسنة في المجتمع الإنساني، مما لا تفي به السطور، وما أكثرَ ما حثَّ عليها القرآن الكريم والسنة الشريفة! وبرزت واضحة جليَّة في فعل سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان أجودَ بالخير من الريح المرسلة، واقتدى به أصحابه في البذل والعطاء، مما حفلت به سيرهم - عليهم جميعًا رضوان الله وسلامه - والسعيد الموفَّق من نسج على منوالهم، وسار في دروبهم، واقتدى بفعالهم، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل، ما عندكم ينفذ وما عند الله باقٍ، وليكن ختام هذا البحث قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].
بقلم / احمد حسن الشناوي
كثُرت أحاديث الشريعة الحاثة على الصدقة، كما ورد الحض عليها في القرآن الكريم، والصدقة تطلق شرعًا على الزكاة المفروضة، التي هي ركن من أركان الإسلام، ومنكِرُ وجوبِها كافر؛ لأنها ثابتة قطعًا بالكتاب والسنة والإجماع، وهي ماضية إلى يوم يرث الله الأرض ومن عليها، تصرف في وجوهها المقررة شرعًا، ولا يقصر في أدائها إلا عاصٍ لله ولرسوله، وسيكون له الجزاء الذي لا مناص له عنه، والذي وردت الإشارة إليه في القرآن الكريم؛ قال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34- 35]، وروي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: "ما أديتَ زكاتَه فليس بكنز، وإن كان تحت سبع أرضين، وكل ما لم تؤدِّ زكاته فهو كنز وإن كان فوق الأرض"، وروى البخاري عن خالد بن أسلم قال: خرجنا مع عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - فقال أعرابي: أخبرني عن قول الله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾، قال ابن عمر: مَن كنزها فلم يؤدِّ زكاتها، فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أُنزلتْ جعلها الله طهرًا للأموال، وهذا مشعر - كما يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني - بأن الوعيد على الاكتناز - وهو حبس ما فضل عن الحاجة عن المواساة به - كان في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة.
وروى البخاري أيضًا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من آتاه الله مالاً، فلم يؤدِّ زكاته، مُثِّل له يوم القيامة شجاعًا أقرعَ، له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني: شدقيه - ثم يقول: أنا مالُك، أنا كنزك))، ثم تلا ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ﴾الآية [آل عمران: 180].
والحديث الشريف موضوع البحث، يومئ إلى صدقة التطوع، وهي التي أشارت إليها الآية الكريمة: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271]، فقد ذهب الجمهور من المفسرين إلى أنها في صدقة التطوع؛ لأن الإخفاء فيها أفضل من الإظهار، فذلك أدلُّ على أنه يُراد بها الله - عز وجل - وحده، وإن كان هذا لا يمنع من إظهارها؛ لحمل الغير على الاقتداء بالباذلين المعروف والساعين في الخير، فينتهج نهجهم، وينسج على منوالهم؛ ليعمَّ الخير والتراحم، ويزاد التواد والتعاطف، وتختفي الحاجة والمسألة، وتأتلف القلوب، ويتعاون الناس على البر والتقوى؛ فالإحسان له أثره الفعال في التجاذب والتقارب، واجتثاث السخائم وقتل العداوات، وبثِّ روح الطمأنينة، وتوطيد أواصر المحبة بين أفراد المجتمع.
وقد أدرك صحابةُ سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه المعانيَ؛ من كثرة حثِّه - عليه أفضل وأزكى السلام - على الصدقات، فكان بعضهم يعمل حمالاً في السوق؛ ليحصل على القليل ويتصدق به؛ رغبة في امتثال الأوامر الشريفة.
روى البخاري عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - أنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَرَنا بالصدقة، انطلق أحدُنا إلى السوق، فيحامل فيصيب المد – أي: في مقابل أجرته - فيتصدق به"، وكانوا لا يحقرون الصدقة مهما ضؤلت وقلَّ مقدارها؛ استنادًا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اتَّقوا النار ولو بشق تمرة))؛ رواه البخاري، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "دخلَتِ امرأةٌ ومعها ابنتان لها، تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتُها إياها، فقسمتَها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت..." الحديث.
ومن تعاليم سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبذل الإنسان وهو صحيح معافى، محب للمال، ضنين به، ولا يترك العطاء حتى تهجم عليه منيَّتُه، وتفوته فرصة المبادرة إلى الخير؛ ففي بذل المال مع وجود الشحِّ به برهانٌ على قوة الرغبة في القربات، والمبادرة إلى الامتثال والدخول في الطاعة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجرًا؟"، قال: ((أنْ تَصَدَّقَ وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقرَ وتأمُلُ الغنى، ولا تُمهِلْ، حتى إذا بلغَتِ الحلقومَ، قلتَ: لفلان كذا، ولفلان كذا)).
وغالبًا ما تكون الصدقة من أهل الخير على ذوي الحاجة؛ ولكن المعتمد هو نيَّة المتصدِّق، فلو وقعتْ صدقةٌ في غير موقعها، لاستحقَّ أجرَها مع خلوص نيَّته لله - تعالى - وابتغاء مرضاته، ولربما حصل منها الخير الكثير، والجزاء الوفير، وقد أورد البخاري حديثًا عمَّن أسرَّ صدقة، فوقعتْ في يد مَن ليس لها أهلاً، فأُعلم منامًا بثوابها، وأنها لاقت من الله قبولاً؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال رجل: لأتصدقنَّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق الليلةَ على زانية، فقال: اللهم لك الحمد، على زانية، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تُصدق على غني، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق، وعلى زانية، وعلى غني، فأُتي، فقيل له: أمَّا صدقتُك على سارق، فلعله يستعفُّ عن سرقته، وأما الزانية، فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني، فلعله أن يعتبر، فينفق مما أعطاه الله))، وفى رواية الطبراني: ((فساءه ذلك، فأتي في منامه)).
قال العيني في كتابه "عمدة القارى": "وفيه دليل على أن الله يجزي العبدَ على حسب نيته في الخير؛ لأن هذا المتصدق لما قصد بصدقته وجهَ الله - تعالى - قُبلتْ منه، ولم يضرَّه وضعُها عند من لا يستحقها، وهذا في صدقة التطوع، وأما الزكاة، فلا يجوز دفعها إلى الأغنياء".
ويؤخذ منه أيضًا توقُّع حمل المتصدَّق عليه، على التحوُّل من الحال المذمومة إلى الحال الممدوحة، فيستعف السارق من سرقته، والزانية من زناها، والغني من إمساكه، ويدل على بركة التسليم والرضا، وذم التضجر بالقضاء.
وقد مدح سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقةَ السرِّ، فذَكَر من الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظلَّ إلا ظله، رجلاً تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم يمينُه ما تنفق شمالُه، ففي ذلك خلوص الصدقة لوجه الله - تعالى - وحفظ ماء وجه المتصدق عليه، وستره أمام العامة، وخاصة إذا كان ممن عُرفوا بالصلاح والتقوى، أو من الذين أخفى عليهم الدهر بعد نعمة وثراء، وكثير ما هم، ومن ستر على مسلم في الدنيا، ستره الله في الدنيا والآخرة.
في توجيه هذا السؤال إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أزواجه، دلالة على شدة تعلقهن به، وخوفهن من البُعد عنه؛ ولهذا أحببن الموت - وهو مبغض إلى النفوس - لئلا يلبثن بعده في الدنيا التي لا تحتويه، ولا تسعد بوجوده فيها، فالحياة بدون سيدهن هباء، والبقاء فيها بعده فناء، ومما يشهد بعظيم حبهن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفقدانهن الصبر على فراقه، حادثةُ التخيير التي وردتْ أخبارُها في سورة الأحزاب، وسجلت قرآنًا يتلى إلى يوم الدين؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28- 29].
قال المفسرون: أمَرَه الله - عز وجل - أن يخيِّر زوجاتِه، فربما كان فيهن من تكره المقام معه على الشدة؛ تنزيهًا له، فقلن: اخترنا الله ورسوله، وروى البخاري ومسلم - واللفظ لمسلم - عن جابر بن عبدالله قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد الناس جلوسًا ببابه، لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر فدخل، ثم جاء عمر فاستأذن، فأذن له، فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسًا حوله نساؤه، واجمًا ساكتًا، قال: فقال: والله، لأقولن شيئًا أضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، لو رأيتَ بنتَ خارجة سألتْني النفقة، فقمتُ إليها فوجأتُ عنقها، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((هن حولي كما ترى يسألنني النفقة))، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليس عنده؟! فقلن: والله لا نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبدًا شيئًا ليس عنده، ثم اعتزلهن شهرًا أو تسعًا وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾، قال: فبدأ بعائشة، فقال: ((يا عائشة، إني أريد أن أعرض عليك أمرًا، أحب ألاَّ تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك))، قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية، قالت: أفيكَ يا رسول الله أستشير أبوي؟! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك ألاَّ تخبر امرأة من نسائك بالذي قلتُ، قال: ((لا تسألني امرأةٌ منهن إلا أخبرتها: إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا؛ ولكن بعثني معلمًا ميسرًا)).
وفعلتْ زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلَ ما فعلتْ عائشةُ، وهكذا لم تطب نفوسُهن - رضوان الله عليهن - أن يفارقنه؛ رغبةً في صحبته التي لا تعادلها الدنيا وما فيها، وأملاً في البقاء معه؛ ليكون لهن الجزاء الأوفى عند رب العالمين - سبحانه - ويفزن بمصاحبة رسول الله في جنات النعيم، ولشدة ركونهن إليه؛ كن يسألنه عن صاحبة الحظ الأوفى، التي ستكون أولهن لحوقًا به بعد موته، وقد فهمن من طول اليد ظاهر القول؛ فأخذن يقسن أيديَهن بالقصبة وغيرها، وفى هذا تقول عائشة: "فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نمد أيديَنا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولَنا، فعرفنا حينذاك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد بطول اليد: الصدقة، وكانت زينب امرأة صناعة اليد، وكانت تدبغ وتخرز، وتتصدق في سبيل الله"؛ قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم.
وكنَّ - رضوان الله عليهن - قد فهمن أن المراد الطول الحقيقي المادي، ويبدو أن سودة بنت زمعة بن قيس بن عبدشمس العامرية - كانت أطولهن يدًا على الحقيقة، وكانت من السابقات في الإسلام، وهي أول من تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد خديجة، وكان قد توفي زوجها السكران بن عمرو العامري بعد عودتها من الحبشة، حيث كانت قد هاجرتْ معه إليها الهجرة الأولى، وقيل: كان قد مات بالحبشة، وقد توفيت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين من الهجرة الكبرى.
وأما زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية، فقد توفيت سنة عشرين من الهجرة، فكانت أول إنسانة لحوقًا به - صلى الله عليه وسلم - فهو من دخول الوهم على الراوي في التسمية؛ كما قال محققو الحديث الشريف - رضوان الله عليهم.
وهذا الحديث عَلَم من أعلام النبوة، وفيه جواز إطلاق الألفاظ المشتركة بين الحقيقة والمجاز بغير قرينة، وهو هنا لفظ: أطولكن يدًا، ولما كان السؤال عن الآجال وعلم نهايتها عند علام الغيوب وحده، ولا يُعلَم ذلك إلا بوحي، أجابهن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلفظ غير صريح، لا يتبين إلا في آخر الوقت عند حدوثه فعلاً؛ ولهذا لم يفهمن أن المراد بطول اليد الصدقة؛ إلا عند موت أم المؤمنين زينب بت جحش، أولهن بعد رسول الله، وكانت - رضوان الله عليها - أكثرهن تصدقًا؛ إذ كانت - كما مر - صناع اليد، تعمل بيدها وتتصدق.
وفضل الصدقة - صدقة التطوع - وآثارها الحسنة في المجتمع الإنساني، مما لا تفي به السطور، وما أكثرَ ما حثَّ عليها القرآن الكريم والسنة الشريفة! وبرزت واضحة جليَّة في فعل سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان أجودَ بالخير من الريح المرسلة، واقتدى به أصحابه في البذل والعطاء، مما حفلت به سيرهم - عليهم جميعًا رضوان الله وسلامه - والسعيد الموفَّق من نسج على منوالهم، وسار في دروبهم، واقتدى بفعالهم، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل، ما عندكم ينفذ وما عند الله باقٍ، وليكن ختام هذا البحث قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].
بقلم / احمد حسن الشناوي
Princess- الجنس : عدد الرسائل : 13
رقم العضوية : 87
نقاط : 7
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى